بداية ظهور السينما في غزة قد تعود وفق التقديرات لأربعينيات القرن الماضي، حينما تم إنشاء “مؤسسة السامر” التي تحولت بعد ذلك لـ”سينما السامر” عام 1944.
مع غروب الشمس، يبدأ رواد شاطئ بحر مدينة غزة بالتجمع أمام شاشة كبيرة تتجهز لعرض أفلام سينمائية بعضها تعبر عن قضايا فلسطينية وطنية وأخرى كرتونية للأطفال.
على كراسٍ معاد تدويرها ومصنوعة من إطارات المركبات التالفة ومرتبة بشكل يتيح مشاهدة الشاشة من الجميع، يجلس محبو السينما منتظرين لحظة بداية العرض.
ويجذب صوت الفيلم مع انطلاقه، رواد الشاطئ من المناطق البعيدة نسبيا، خاصة إذا كان الفيلم المعروض “كرتوني” للأطفال ليبدأ العشرات منهم بالتجمع للمشاهدة.
عكفت مبادرة “البحر إلنا” التعاونية (شبابية مجتمعية) على عرض هذه الأفلام في الهواء الطلق في إطار توفير “سينما مفتوحة” للفلسطينيين، الذين حرموا من دور عرض السينما في قطاع غزة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
وبدأت السينما في الظهور في القطاع منذ بداية أربعينيات القرن الماضي مواكبة للنشاط الثقافي والفني الذي نشط آنذاك، ليضم القطاع عددا من دور السينما تراوح عددها بين 5-10، وفق مسؤولين ومخرجين فلسطينيين، فيما بدأت أعدادها بالتراجع مع بداية الانتفاضة.
وأرجع مختصون بالشأن الثقافي إغلاق أبواب دور السينما في غزة إلى الأوضاع المجتمعية والأمنية التي سادت الشارع الفلسطيني إبان الانتفاضة الأولى وما رافقها من حظر للتجوال وسقوط شهداء وعدوانات متواصلة من الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المُحصار.
سينما البحر
قال مؤسس مبادرة “البحر إلنا” علي مهنا، وهو مخرج فلسطيني، إن فكرة “سينما البحر تقوم بالأساس على عرض أفلام سينمائية على شاطئ البحر بشكل مجاني، أغلبها لمخرجين فلسطينيين حصل بعضها على جوائز عالمية أو إقليمية”.
وأضاف في حديثه للأناضول: “حصلت المبادرة على تمويل من الصندوق الثقافي التابع لوزارة الثقافة في رام الله، لعرض نحو 15 فيلما يسلط الضوء على قضايا وطنية فلسطينية كالنكبة والأسرى وبعض الشخصيات الفلسطينية مثل الشاعر معين بسيسو”.
لكن يحاول القائمون على المبادرة، عرض أفلام كرتونية خاصة بالأطفال (أنمي) إلى جانب الأفلام الـ15، كي يتناسب مع جميع الأذواق ولنشر ثقافة السينما بين الأطفال، كما قال.
وأوضح مهنا: “نحاول بأبسط الإمكانيات محاكاة جو سينمائي نتمكن من خلاله عرض الأفلام للناس، وهذه الأفلام تمرر قيما وطنية وإنسانية”.
وذكر أن الهدف من هذه المبادرة لا يرتبط فقط بالطابع الثقافي إنما توفير مساحة للسكان من أجل الاستمتاع والتخفيف من ضغوط الحياة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المشدد والمتواصل منذ 2007.
وأشار إلى أن تعاونية “البحر إلنا”، ستواصل عرض الأفلام السينمائية مرتين في الأسبوع، وذلك بعد انتهاء مبادرة “سينما البحر” الممتدة طيلة فصل الصيف.
لغة مشتركة
وصف المخرج الفلسطيني محمد الصواف مبادرة “سينما البحر” بأنها “فكرة جميلة تتيح الفائدة لجمهور واسع” في الوقت الذي تخلو فيه غزة من دور العرض.
وقال الصواف للأناضول: “سيتم عرض ثلاثة من الأفلام التي أشرفت على إنتاجها، واحد منها يوثق تاريخ الحركة الأسيرة في محاولات الهروب من السجن منذ عهد الانتداب البريطاني في فلسطين (1917-1948)”.
وأوضح أن أفكار الأفلام المعروضة على شاطئ البحر “تستهوي الكثير من المشاهدين، حيث تشمل عامل التشويق وتحمل قيما وطنية”.
واستكمل قائلا: “لغة السينما مشتركة بين الجمع دون تمييز، من المهم جدا عكس تفاصيل القضايا الفلسطينية والنضال عبر السينما ليصل إلى العالم”.
ودعا إلى أهمية “استغلال السينما والأفلام في نقل حقيقة ما يحصل على الأراضي الفلسطينية، وللتأكيد للعالم الخارجي أن أشخاصا على هذه الأرض يبحثون عن الحرية والإبداع ومكانهم ليس القتل أو الأسر”.
واقع السينما
بدوره، قال مدير دائرة الفنون والتراث والمعارض في الهيئة العامة للشباب والثقافة بغزة، عاطف عسقول، إن نشأة السينما في القطاع ارتبطت بالوضع الثقافي والفني الذي كان لافتا قبل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948.
وأضاف عسقول للأناضول: “نشاط فلسطين في المجال الثقافي والفني ربما يعود لوقوعها على تخوم مصر ولبنان اللتين كانتا رمزا للثقافة وصناعة الأفلام والسينما على مستوى الوطن العربي، كان لدينا تأثر خاصة بالسينما المصرية”.
وأوضح أن بداية ظهور السينما في غزة قد تعود وفق التقديرات لأربعينيات القرن الماضي، حينما تم إنشاء “مؤسسة السامر” التي تحولت بعد ذلك لـ”سينما السامر” عام 1944.
امتد النشاط السينمائي والفني بعد ذلك على مستوى القطاع حتى بداية الانتفاضة الأولى، حيث تولى القطاع الخاص آنذاك مهمة افتتاح دور عرض السينما، وفق عسقول.
وأردف: “بعد ذلك تم افتتاح سينما النصر وعامر في غزة، والحرية في خانيونس، والسلام في مدينة رفح، ليصل عددها على مستوى القطاع إلى 5 دور عرض”.
لكن مخرجين فلسطينيين يقولون إن عدد دور عرض السينما بلغت في قطاع غزة قبل الانتفاضة الأولى حوالي 10.
وعن طبيعة الأفلام المعروضة، قال عسقول إن دور عرض السينما في غزة كانت مواكبة للسينما حول العالم وتعرض الأفلام العربية والهندية والأجنبية.
وأشار إلى أن هذه الدور كانت تنشط في “المناسبات الرسمية كالأعياد، حيث كان هناك إقبال لافت عليها خاصة من فئة الشباب”.
حوادث معزولة
ومع بداية الانتفاضة الأولى، وما رافقها من أوضاع ميدانية وأمنية صعبة بدأت أعداد دور السينما بالتراجع خاصة وأنها كانت ملكا للقطاع الخاص، حيث قال عسقول “رأس المال دائما جبان”.
وأضاف: “الأوضاع الأمنية التي واكبت الانتفاضة كانت صعبة، نظام منع التجول كان يبدأ من ساعات مبكرة من المساء وما كان يرافق ذلك من إضرابات ومظاهرات واشتباكات وسقوط شهداء وجرحى وملاحقات؛ كل ذلك أثر على السينما في القطاع”.
وذكر أن الحالة الاجتماعية والنفسية العامة في القطاع، التي رافقت أحداث الانتفاضة، لم تسمح آنذاك بارتياد دور السينما.
وأوضح أن القطاع شهد منذ سنوات، عددا من المبادرات التي أطلقتها مؤسسات لعرض أفلام سينمائية ووثائقية في أماكن مفتوحة، معربا عن تشجيع هيئته للمبادرات المجتمعية الثقافية التي تنشر ثقافة السينما في غزة والتي كان آخرها مبادرة “سينما البحر”.